«أنا لا أقدم المعجزات، بل أقدم العمل الشاق والجهد وإنكار الذات بلا حدود».
بهذه الجملة ختم المشير عبد الفتاح السيسى خطابه الأخير بالزى العسكرى يوم 26 مارس 2014، معلنا استجابته لنداء الشعب والترشح لرئاسة الجمهورية، يومها لم يكن يسعى المشير السيسى ليقدم خطابا يغازل العقول أو يفرش طريقه إلى الاتحادية بورود خادعة تجلب له أصوات المصريين، وإنما حرص على أن يكون صريحا لا يلجأ إلى الوعود البراقة أو تجميل الأوضاع، أو تزييف الحقائق، لم يكن السيسى يومها يلقى خطاب مرشح يطلب أصوات الشعب، وإنما كان خطاب مصارحة من مواطن مهموم ببلده وخائف عليها، وراغب فى أن يقدم ما يملك من أجل إنقاذها حتى ولو كان ما سيقدمه هو حياته.
للأسف البعض الآن يتناسى عمدا هذا الخطاب، ويدعون ما لم يقله السيسى، ويحاولون تصويره وكأنه كان يعدنا بالصعود إلى سماء الدول العظمى السابعة، أو أنه صور لنا الدنيا وردية، لكن الحقيقة التى يعرفها من يتذكر هذا الخطاب جيدا أو غيره من تصريحات وأحاديث المشير السيسى قبل ترشحه، أن الرجل كان من البداية واضحا، فلم يعد بما لا يملك ولم يصور لنا شيئا غير الحقيقة التى كان يراها مبكرا ويرصد توابعها جيدا ويعرف روشتة علاجها، لم يستخدم السيسى من البداية حتى وهو مرشح لغة السياسيين الناعمة، ولم يقبل أن يطعم خطابه الذى استهل به طرح نفسه على الشعب بالألفاظ الرمادية التى تقبل كل الاحتمالات وتتيح له وقت الحاجة الهروب من التزاماته، وإنما كان خطابا فيه من الصراحة ما يصدم ومن الحقائق ما يقلق، لكن السيسى أراد من البداية ألا يخدع شعبه أو يبيع لهم الوهم، وإنما أراد أن يضعهم معه فى التحدى.
كان واضحا من هذا الخطاب أنه لم يكن باحثا عن المنصب بقدر ما كان باحثا عن الوطن، ولم يكن طامعا فى مكسب بقدر ما كان طامعا فى غاية اسمى من هذا بكثير وهى بناء مصر، فنجده فى إحدى جمل هذا الخطاب الشهير يصارحنا بلا تجميل فيقول: «نحن المصريون لدينا مهمة شديدة الصعوبة والتكاليف، ثم فى جملة ثانية يقول، أمامنا مهام عسيرة، وبعدها يزيد من صراحته أكثر فيقول، علينا أن ندرك أنه يجب أن نبذل أقصى جهد، ويفسر ذلك بأن الداء صعب فيقول، إن مصر تواجه تحديات كبيرة واقتصادنا ضعيف وملايين الشباب يواجهون البطالة وملايين يعانون من المرض، وهذا أمرغير مقبول».
وفى جملة خامسة يتحدث بوضوح ليحدد المطلوب من المصريين فيقول: «الشعب عليه التزامات من الجهد والصبر والعمل، والحاكم لن ينجح منفردا، والشعب يعلم أنه من الممكن تحقيق انتصارات كثيرة، لكن هذا لن يتم إلا بالعمل الجاد من كل مصرى ومصرية، وسأكون أول من يقدم الجهد والعرق دون حدود».
السؤال لكل منصف أو خبير فى السياسة.. هل هذه جمل يستخدمها مرشح طامع فى ذهب المنصب وأبهة الرئاسة، أم أنها لغة مقاتل مهموم قرر أن يخوض معركة ويصارح أهله بحقيقه التحدى وطبيعة المعركة وخطورة العدو حجم التضحية المنطلوبة.
الأهم.. هل اختلف خطاب السيسى المرشح عن السيسى رئيس الجمهورية؟
الإجابة الواضحة أمامى أن لغة خطاب الرئيس لم تتغير، الألفاظ هى بعينها، والمصارحة كما تعودناها منه، الفارق الوحيد أن السيسى الرئيس كان كما وعد وهو مرشح، لم يطلق العنان لخيال يتصور أنه يمسك بعصا المعجزات، وإنما نزل على الأرض من أول يوم والتزم بما وعد به من بذل الجهد وإدراك لقيمة مصر وما تملكه من ثروات وما يستحقه الشعب من حياة أفضل وعيش أمن وحرية وكرامة.
هذه الرباعية لخصها المشير السيسى فى خطابه عام 2014 فى ثلاث ملفات، هى الحصول على العيش والعمل والسكن، وعندما تولى الرئاسة لم ينشغل بغير هذا الهدف فترجمه إلى برامج على الأرض، من المليون وحدة إسكان إجتماعى، إلى حملات قومية لمكافحة الأمراض ومئات المشروعات العملاقة التى تستوعب طاقة شباب مصر المهدرة بسبب البطالة، إلى برامج تكافل وكرامة، وحياة كريمة، وغيرها عشرات من البرامج والمبادرات التى أطلقها بنفسه أو تحمل رعايتها ودعمها من أجل الغلابة والفقراء فى هذا البلد.
والنتيجة لهذه الصراحة فى القول والإخلاص فى العمل أن عبد الفتاح السيسى الذى لم يعد بالمعجزات، وهو مرشح عندما أصبح رئيسا فعل ما وصفه العالم فعلا بالمعجزات، ومن يراجع توصيف خبراء الاقتصاد فى العالم والمؤسسات الدولية لبرنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى سيجد فى وصفهم «كلمة معجزة مصرية»، ومن يتابع تقييم انبهار العالم بالحملة القومية لمكافحة فيروس سى سيجد الاعتراف الدولى الواضح بأن ما حصل فى هذا الملف معجزة علاجية بكل المقاييس، ومن يرصد تحليلات رجال البيزنس ومسؤولى الشركات العالمية لما يجرى فى مصر من مشروعات عملاقة تناطح بعضها فى التميز والإبداع وسرعة الإنجاز سيجد أغلبهم فى حديثه عن مصر يستخدم وصف «المعجزة»، ومن يتابع تحول العالم إلى مصر بعد أن كانوا يعطون لها ظهورهم ويتبرأون منها أو يقاطعونها ويخططون لحصارها يدرك أن ما حدث من تحول دولى هو بالفعل «معجزة».
لماذا كل هذا.. لأن الرجل الذى لم يعد بالمعجزة حققها بالفعل، ليس لأنه ساحر، وإنما لأنه كان صادقا من البداية، فصدقه شعبه وألتف حوله، حدد السيسى لنفسه مهمة وتكفل بإنجازها وهى كما قال فى خطابه «العمل من أجل مستقبل تستحقه مصر»، ليس فقط فى الداخل وتلبية ما يستحقه المصرى من لقمة عيش كريمة وحياة آمنة، وإنما على المستوى الخارجى فلم تعد مصر بلد مستباح، ولا يملك أحد أن يستهين بها بل لها، احترامها وهيبتها فى كل مكان على وجه الأرض.
ألا يستحق منا هذا الرئيس أن نستمر فى مساندته ليكمل مشواره فى بناء الدولة التى وعدنا بها، دولة قوية تحقق آمال شعبها وتلبى مطالبه؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة